لوحــة رمــل
( مونولوج شعري في فصل واحد )
الأشخاص: صغارُ مرضى . مريضُ قـَـلب / أعـْمى / كـسيحٌ ويـَـتيم
المكان: فوقَ الرمل
الوقت : عندَ غروبِ الشمس في أمـسية ِ عيد .
**** المشهد ****
قطعة ُ أرض ٍ من الرمال ، اجتمع فوقها الصغارُ الأربعة .
الأعمى جالسٌ فوق الرمل وبجانبه مريضُ القلب ِ ينكثُ
الأرضَ بعود ٍ ، وعلى مسافة ٍ قريبة ٍ منهما جـلسَ الكسيحُ
يجمعُ بعضَ الأصدافِ وبجانبه يتطلعُ اليتيمُ إلى الأفــق ِ
وهو يــرددُ :
لـَسْــتُ بعابـد ِ الأصنام ِ والنار ِ والحيوان
الموتُ لــي ؟
الفقــرُ لـي؟
اليتــمُ لـي ؟
لن أرضـى بلعنـة ِ اللـه على وجْهي
ما دمْـتُ مطيعــاً لـَـهُ
عبــداً ، مؤمنــاً بـِـهِ
أعرفُ أننـي يتيــمٌ
لا أبٌ / لا أمٌّ / لا ماءُ / لا طعــام
أتســوَّلُ من قريــة ٍ لقـرية
أحمـلُ في ثيابـي الممزقــة ِ القـذرة
روحاً ممزقــة
جروحــاً ممزقــة
تصـوروا :
مررْتُ بالقرية ِ في الصباح
راقبـْتُ الصغارَ في ثيابـِهم الورديـة
مع ألعابـِهم الجميلة ِ وابتساماتـِهم
سـمعـْتُ ضحكاتـِهم وأغانيهم
تمنيـْتُ أن يكونَ لـي أبٌ .. أم
أن يكونَ لـي ثوبٌ أحمــرَ ، العابٌ جميلة
تمنيـْتُ كثيراً
لكــنْ
رغـمَ تألمـي من حجارة ِ الصغــار
وشتائمـِهم
وسخريتـِهم مـني
مسـحـْتُ جـروحي ودمعـي بكمــي المُمـزّقِ
ومشــيتُ
إنسانٌ أنــا
إنســــــــانٌ
لسـْـتُ بعابــد ِ الأصنام ِ والنار ِ والحيوان
لسْــتُ بقاتــل ٍ
لسْــتُ بســارق ٍ
إنســانٌ .. إنســانٌ لكنني لسْــتُ كبقيـة ِ الصغار
لن أرضى بلعنـة ِ اللـه على وجهـي
لن أرضى بلعنـة ِ اللـه على وجهـي
( ويختنـِقُ صوتـُـهُ ، ويقاطعـُهُ المريض : )
- أللــه
ما أصـْعبَ أن يتـألمَ إنســانٌ أو يمــرض
قلبي رســبـَتْ فيه كلُّ الآلام
كلُّ الدموع ِ كلُّ الجراح ِ كلُّ الآهات
قلبي
حـَرمـَـني أن أتمتعَ بثوب ِ العيدِ الأحـْمــر
قلبي جـَرحنــي
جـَرحَ دمعَ أمّــي وحنانـَهــا
وصوتـَها المنكسر:
" لو قلبي ولا قلبك ، لو قلبي ولا قلبك "
اللـه
سـأكتفي بحكايتي إليكَ
كبقية ِ الصغار أنــا
من لحـم ٍ ودم ٍ .. كبقيـةِ الصغار
لكن مشيئـتـَـكَ التي
تكبرُ في دربي
تـُحطــمُ قلبي
وتأبى أن أكونَ كبقية ِ الصغار
( ويضعُ الصغيرُ كفـَّـه على قلبـِـهِ متوجعــاً )
الأعمى :
ألســنا أمواتاً سـنموت ؟
أأكفر بالناس ِ بالرمل ِ أم باللــه ؟
لــوحٌ أســودُ حياتي
لم أعرفْ ما شــكلُ أمــي / أبــي
يقولون :
إنَّ في الطبيعة ِ ألوانــاً جميلــة
وأنــا لم أعرفْ
ما لونُ الفراشِ
ما لونُ الطيرِ
ما لونُ الزهرِ الذي سمعـْتُ عنه في الصِّغــر
لم اعرفْ ما شكلُ الصغار
يـُقالُ إنها تشبهُ القمر
لـم أعرفْ ما شكلُ القمر
لــوحٌ أســودُ حياتي
مــوتٌ أســودُ
أأكفرُ بالناس ِ بالرمل ِ أم باللـه؟
اللــه
لم خلقـْـتـنــا هكــذا ؟
لم عاقبـْـتنــا هكــذا ؟
ماذا أذنبـْـنا ؟
ماذا فعلـْـنــا فكان عقابـُنا
موتــاً في الحياة
( الكسيحُ بصوتٍ عال ٍ مشيراً إلى الرمل : )
- أســمعتَ يا اللــه ؟
أســمعتَ يا اللــه ؟
( ويرتعدُ الصغارُ لسماع ِ هذه الجملــة ِ الغريبــة
ويدنونَ من الكسيح فيجدونـَـهُ قد رسمَ اللـه
فوق الرمل ِ على صورة ِ شيخ ٍ ذي لحية فيصرخُ اليتيمُ : )
- أرسـمْ على وجْهــهِ ذلَّ الأيتام
الأعمى :
أفقــأ لــه عينيــه
مريضُ القلب :
أما أنا
فأقدمُ لــه المصيرَ المظلــم
أقــدمُ لــه المــوت.
( ويحركُ المريضُ كفيه فوق اللوحة ِ بغضب ،
بينما يأخذ ُ الصغارُ يرقصون حولــه .)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق