اسمٌ على
مُسمّى، أسماني الرفيقُ والدي رحمه الله، يوم خرجتُ من الدنيا/خرجت إلى الدنيا، في 5 مايو، تاريخ ميلاد "ماركس" الالماني . أنا من مواليد حيفا، وأسكن في منفاي الأختباري في موسكو! لا أصدق ما يحدث لي للمرة الألف!
|زياد
شاهين|
ليلاً ، في حيفا، في شارعِ الملوك سابقاً أو شارع “الحرية !” لاحقاً (أتسألُ: لاحقاً سابقاً؟! الله أعلم!)،
حيث تنتشرُ الحاناتُ والصبايا الجميلاتُ
اللواتي
يتسلقْـنَ على سيقانِ أحلامِ الشباب، والطرقاتُ الساهرة والشرفاتُ العارية من الوجوه الحالمة، رأيتُ “ماركس”
يجلسُ في حانــةٍ، على كرسـيّ مخمليّ أحمرَ، يجرعُ الفودكا الصافي، يتبادل الكلامَ مع بائعةٍ للهوى سمراءَ، ويحتدمُ
الكلام. وتصعد وتهبط الأيادي كأنها تجدّفُ في
فراغ الحانة من دون كلل.
(على ما يبدو
يتشاجران.)
وفتاةٌ أخرى، يكشفُ النورُ الضئيلُ عن أقلّ سمرةٍ في ملامحها تحدّقُ في الكلام وكأنه دخلَ في حلبةٍ للمصارعة
الامريكية، وخرجَ وسقطَ أرضاً، مُضرّجاً، خارجَ حلبةِ الأدب!
“ماركس” يبدو
ثمـلاً قليلاً!
تترنحُ كلماتـُه مثل راقصة شـرقية في ملهًى ليليّ!
يشتهي أن يضاجعَ أحداهـنّ، وأن يدفعَ كلَّ ما يملكُ من “روبـلات” دمِ قلبـِه المُنفعل، وعرقِ جبينه
المُشتعل! الفتاتان الجميلتان ترفضان العرضَ السخيَّ، ترفضان وتعلّـلان وتشرحان وتضحكان ملءَ الحانــة وملءَ ميناء حيفا!
تقولُ إحداهنّ إنّ
ماركسَ اليهوديّ الألمانيّ مؤسسُ النـّظرية الشيوعية وروسيا هم السببُ
الأول، السببُ الفادح، السببُ المباشرُ
والسببُ
الفاتحُ فيما حدثَ، ويحدثُ في شــام سوريا وفي بلاد عربية أخرى!
وتقولُ الثانية: وإنّ ذبحَ الأطفال والنساء والأبرياء، على ذمـّـة روسيا التي تدعمُ حكمَ عائلة الاسد وتدعمُ
الأنظمةَ العربية الرجعية واللارجعية!
ماركس
مستغرباً
ومكتئبًا:
(الاعتذار
للفضل ولأبي نواس)
“رأيتُ الماركْسَ ملتهبــاً / يناغي النهدَ والرقبــةْ
فقطّبَ حين صـدّتـْــهُ
/ صبايا الحانِ
واكتئبــا
ولما إن رفضْـنَ لهُ
/ نكاحاً
قــامَ وانتـحبـا”
(ملاحظة:
منعاً لاتهام ماركس بكسر بحر الهزج، وأدانته بفيضان العنف والوحشية، الرجاء محاولة قراءة اسمه بلكنة أجنبية علمانية، أعني بتسكين
الكاف وأسقاط الراء أو تخفيفها: مــاركْـس!)
في عزّ الكلام، وقريباً من الانفجارات والهزّات الشعورية، ومن قلب المعركة والظلام الدامس الذي يلفُّ
المكان، يدخلُ كالقوسِ رجلٌ على ما يبدو من جنود المارينز الأمريكان، الذين يأمّـون ميناء حيفا، في كل أشهر السنة، طلبًا للرّزق الحلال(!)، وطلبـاً للاستجمام والراحة الجسدية من القتل وسفك الدماء
الوردية، حفاظاً على المختبرات الذرية لحريات
الشعوب والكنوز الطبيعية الحيوية وحدائق
الحيوانات
السرية والأوعية الدموية في هيكل الكرة الأرضية وقسْ على اللغو المسجّع لهذي السردية!
يقتربُ الرجلُ الأمريكي من الطاولة المستطيلة وكأنه عنترة العبسي، ويطلب كأسًا من الويسكي الفاخر، والفاخر
جدًا، من النادل الحائر، والحائر جداً والمشدوه بجدية ما يحدثُ جداً! يجرعُـهُ على نفسٍ واحدة، ويطلبُ كأساً أخرى وأخرى
وأخرى، كأنه دخل في سباق لتحطيم الأرقام
القياسية لموسوعة “جينيس”!
ينظرُ إلى الفتاتين الجالستين مع “ماركس” الحزين بالقرب منه،
يحاورهنَّ بلغـة العيون الجائعة، وأخيراً يدفعُ نحوهنّ عرضاً سخيًّا بالأخضر الفاقع، لقاء ليلة نكاح
حمراء.
الفتاتان الجميلتان تقبلان الدعوة بكلّ بساطة وسرور، حتى بدون الأجر الأخضر!
تقولُ إحداهنّ: إن أمريكا قد خلصتْ على بلاد الرافدين (تأثير الكحول)، خلصتْ بلادَ الرافدين من بطش صدام.
وتردفُ الثانية: وخلصتْ على بلادٍ/ وخلصتْ بلاداً عربية أخرى (لم تسعـفْها الخمرةُ أن تتذكّرَ أسماءها):
“أين من عينيّ
تاريخ الزمان / يا صبايا
الحان يا سفر الأغاني
أين كتابك بغــداد الأمــــاني / أين من راويك مثل الأصفهاني”
الرجلُ الأمريكي يقفزُ مسروراً وكأنّ مسماراً مسنوناً من مادة الفرح يلكزهُ في مؤخرته، يتوهّجُ ويصرخُ:
“تحيا أمريكا! تحيا أمريكا!”
يشبـكُ يديه، اليمنى واليسرى، بأيدي الفتاتين ويخرجون سويـّة متعانقين ومشرقين إلى ليلة شرقية غربية زرقاءَ
في فندقٍ فخمٍ (أزرقَ) على جبل الكرمل ا ل أ ز… أخضرَ الأشــمّ (والله أعلم)!
“ماركس” حزينٌ
جدًا!
ومقهورٌ جدًا!
يقول للنادل بعد أن أخذ نفسًا سـاخنًا: لقد حصلَ التباسٌ عقيـمٌ في الأسماء يا أخي الكريم!
اسمي ماركس، وأشبهُ ماركس، هذا أكيدٌ وصحيح!
اسمٌ على مُسمّى، أسماني الرفيقُ والدي رحمه الله، يوم خرجتُ من الدنيا/ خرجتُ إلى الدنيا، في 5 مايو، تاريخ
ميلاد “ماركس” الألماني. أنا من مواليد حيفا وأسكنُ في منفاي الاختباري في موسكو! لا أصدّقُ ما يحدثُ لي للمرة الألف!
في كلّ مدن العالم، أكون بلا لباسٍ -عفوًا- ضحية التباس أو التباسات عقيمة! لا أدري لماذا لا أدري يا أخي!
أنا… أنا لستُ “ماركس” الشيوعيّ!
أنا “ماركس” الماردُ الفلسطيني المنفي إلى بلاد الشيوعية!
(والله أعلم!)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق