)
إلى أين أمضي؟
(إلى مرزوق الحلبي :هاجُسك لكتابة قصيدة جديدة ، (من ستـُـقبـّـلُ في الصباح ؟)، كما حدثتني في اللقاء الأخير
أضرم بي هاجسٌ لكتابة بل لإشعال هذه الكلمات!)
صباحـًا – ومثلَ صباحاتـِنا كلَّ عام -
أرتـّـبُ شَعـْري .. ثيابي
أعطرُ وجهي .. شبابي
وأمضي إلى ظلماتي
وخوفي المرايا
المرايا مجازفـةٌ وعقابٌ سـخيٌّ
نوافـذُ دهـرٍ تُحدّقُ ..
تفضحُ فوضى السنين على جبهتي
وعـَلتْ مفرقي خُصلاتُ ثلوجٍ
وجـفّـتْ عيونُ حياتي
إلى أين أمضي ؟ أسائلُ روحي
ألملمُ طقمَ كؤوسِ الزجاجِ الأنيقِ المذهّبِ
- ( فارغةٌ من جنوني الكؤوسُ
- وفارغةٌ من رفاتِ حياتي
ومن ضحكاتي وبؤس انتصاري وحزن انكساري)-
أمـرُّ ، هنا وهناك
وقربَ الجدار القريب البعيد القريب البعيد
توقـّـفَ قلبي
أودعُ حلمَ كؤوسِ الزجاجِ الأنيقِ المذهـّـبِ
- واحدةٌ لي وأخرى
كؤوسَ الضباب
وواحدةٌ نخـبُـك أنتَ مصيري -
أقبـّـلُ طَـلَّ الكؤوس
ومثلَ الرصاص بكل جراحي وكـلـّي
أصّوبُها في الجدارِ القريبِ
البعيدِ القريبِ البعيد
وكلِّ جــدار
أصوبُ ســرَّ كؤوسِ النهار
كأني أصوبُ روحي وعمري
كأني صراخُ الفراغ الكثيف
سأندبُ صخبَ الشظايا وصخبَ السنين
وصخبي
وصمتَ الكؤوسِ الأنيقةِ أشلائـُها و....
وأبكي وأضحكُ
أمضي أصلّي وأهتفُ
أدعو
لعـلّـهُ عامٌ جديدْ
لعلّـه غيبٌ جديدْ
أرتبُ فيه أصيلَ المرايا
وفوضى الشروق
وأرقبُ نبضَ الوجود يقاومُ سحرَ الجليدْ
(2)
ألجــِدار
الجـِـدارُ يـُـفكـرُّ أن الجـِدارَ جِـدارُ السمــاءْوأن الوصايا
وصايا نـبي ٍ سـليلِ الشــقاءْ
وأن قراءةَ ســورة مــاءْ
تـُـفَـسّـرُ حكمــةَ نارْ
الجـدارُ مثــولٌ رديءٌ
بهــاءُ رداءٍ يـُكــّـفـنُ ليـلَ الطفولـَـةِ
جمـراً وجهـراً
الجــدارُ نشـوءٌ عقيــمٌ
يـُولّــدُ غصنــاً كفيفــاً وشـوكاً كثيفـاً
سـيبلغُ ســقطَ القرارْ
الجدارُ صَوابٌ بذيءٌ
يـدقُّ رخــامَ الجحيـم ، ويسفكُ دُرَّ الحــوارْ
الجدارُ كناياتُ ليثٍ تَبَـهْـنَـسَ
يزأرُ ظلـُّـهُ شـكلَ الدمارْ
يُصارعُ ذيلَ البقاءْ
الجدارُ فِنــاءُ الفَنـاءْ
يـُـقـيمُ عليها نخيلَ القصور ملوكُ التتارْ
الجدارُ عيونٌ تـَشـِـحُّ
تُخضّـبُ حبرَ المراثي وترشُفُ زيفَ السؤالْ
الجدارُ تصـدّعَ :
عاشقةٌ تعبرُ النزفَ في وضَح الجرحِ
تقصفُ وردَ الغبارْ
تـُساءلُ زيتونـةً عن عشيقٍ مضى
وقضى في آحتضار الفصولِ
الجدارُ تصدّعَ والانتظارْ
(3)
شـرفة شرقية غربية للريح
من شـرفـةٍ شـرقيةٍ غربيـةٍ للريح / أرقـُـبُطلعـةَ الآتي / أقـَـلـِّـبُ غيمـة دكنـاءَ تسقطُ في يدي /
ألقـي صـُراخي فوق أغصان الفراغ وأغـْـتدي /
والطيرُ ينقـُرُ خـفقَ تاريخي/
وينقرُ لــي غــدي /
- من أنتَ ؟ يسألني صراخي هامســاً /
- من أنتَ ؟ أصحو من حطامي حالمــاً /
- من أنتَ ؟ أغفو في عذابات السؤال /
أرُدُّ بالجرح الصدى :
- لو كنتُ أدري ما المحاورةُ آشتكيتُ /
بكيتُ من بلدي على بلدي/
سأثقـُبُ خـرقـةَ الآتـي /
أحدقُ في شظايا الخيل والليل /
أدركُها وتدركـني/
يؤوب النهرُ من ظمأي كسيراً ظامئـاً /
يسري / يؤثثُ صخرةً فوق الخرير/
وفوق نبضي/
ينثني في ضفة الشريان / في لغتي:
- أنا إشـكالُ موتي كلـُّهُ / من غابرٍ /
من عابر/ من ساطع / من غائر/
كم ارتدي جسداً ووشـماَ كالحـاَ /
يختال في رســمي وفي جسدي ؟! /
أنا إقصاءُ فجـرٍ في وصايا الضوء/
أدني هامتي من إخوةٍ / في البدءِ كانوا إخوتي ! /
هذا الذي / في أوّل الليل يأتي من هُنـا وهناك/
يـُشعلُ نارَهُ /
كي لا أراه / ولا أرى قلبي /
تضمّـخَ بالدخان / ولا أرى ثـُـقـبَ الخلاصِ /
ولا أرى شـجراً تـقـّـمصَ جثتي /
سقطتْ سـمائي من ذرى الصلوات/ والصرخات / والدعوات/
ضجـتْ فتنـةُ الصمــت المُبشـِّـرِ بالخلاصِ/
وشـرفتي في الريح/
تندفُ من حشاشــة صرختي /
التعليقات
أين كنت
أين كنت!
أسألك بعد أن طال انتظاري نصوصا مشرقة كهذه،
لماذا كانت استراحتك طويلة إلى هذا الحدّ؟
قُل ولا تبخل
سأتجاوز لك بعض هنّاتك
وأهنئك بهذه النصوص الثلاثة الباهية
ثمة كتابة تضع الحدّ بين الفنيّ من نصوص، بين الراقي منها ومن مجرّد
صف الكلام في مبنى مهجور من معانيه وساكنيه
نصوصك مسكونة، حية وحيوية
هكذا يكون الشعر
أحييك
http://www.aljabha.org/?i=57285
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق