إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 3 مايو 2011

وطني على ظهري - مجيد حسيسي



زياد شاهين – دالية الكرمل


وطني على ظهري (1)


تبادر إلى ذَهـْني ، خلالَ قراءتي للمجموعة الشعرية الجديدة للشاعر الصديق أبي يوسف مجيد " وطني على ظهري "


 ما كتبـه الروائي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا عن تجربة الشاعر العراقي المنفي عدنان الصائغ :
الشعرُ اليوم كثيرٌ جداً ، ولكن ما يـُستحقُ أن يُصغى إليه قليلٌ جداً ، وشعرُ عدنان الصائغ من هذا القليل !
وأنا بدوري أكرر هذه المـَـقـُولةَ ، معبراً من خلالها عن تجربة الشاعر أبي يوسف فأقول جازمــاً:


الشعرُ اليوم كثيرٌ جداً جداً ، لكن ما يُستحقُ أن يـُـقرأَ أو أن يـُسمى شـعراً هو أقلُّ من القليل ، وشعرُ صديقي أبي يوسف ذي القامة الشعرية المتميزة والمتفردة كثيرٌ جداً من هذا القليل !
في مناخ يضجُّ بالصمت الصاخب، وبأحاسيسَ صادقـةٍ وبحروفٍ يـستلـُها من أضلاع قلبه النادب فوق رُكام حياتـِه ينسجُ الشاعرُ مجيد قصيدتـَه بعيداً عن إشكاليات الإبهام ومتاهات الغموض والتي أصبحتْ من سـمات الحداثة والإبداع خاصة في الشعر ، ولا غرو إن هذه السماتِ والملامحَ المغلفةَ بالغموض والإبهام قد تؤدي غالبـاً إلى تقويض البناء الشعري وإلى إقصاءِ المتلقي وإحجامِ القارئ ونفورِهِ من النص المكتوب لعدم تمكنـِّه من فـك رموزِهِ :


أنا يا صاحبي بيتي ملاذي


وشعري فيه أنسامي تطيبُ


سأحيا بعد موتي لا مـفرٌ


لأن النارَ مصدرُها اللهيبُ (ص50)


هذا المقطعُ الجميلُ، الناريُ الملتهبُ، من قصيدة " خلود النفس " هو ترجمـةٌ مثاليةٌ لما أسـلـفـْتُ ، وهو يقربـُّـنا من النقطة التالية التي أودُّ أن أشيرَ إليها ، ففي الشعر ،
مثلَ بقيةِ الأشكالِ الإبداعية ، هنالك ما يـُسمى المعنى ، والذي يستطيعُ القارئُ أن يلجأ إلى المنجد أو إلى الشبكة ألعنكبوتية كي يحصلَ عليه ، وهنالك معنى المعنى أو المعنى الدلالي أو الجدلي ، ولكي يصلَ إليه القارئُ ويـَـسـْبُرَ كـُـنهـَـهُ فذلك يعتمد أما على ثقافته ورحابة فكره وبيئته المعيشية ، وأما على كيفية توائم أو تجانس المعنى مع حالته أو حتى على كيفية مخاطبة المعنى لوجدانه وللإرهاصات المختلفة النفسية والحياتية التي يشعر ويمر بها !


من هنا وعلى سبيل الإيضاح نعود للمقطع الذي أوردتـُه سابقـاً :


(أنا يا صاحبي بيتي ملاذي ) والمعنى هنا : أن البيتَ هو الملجأ أوالمكانُ الآمنُ الذي تطيبُ فيه الحياةُ ، والمعنى الدلالي لهذا المقطعِ مثلا ًأن البيتَ هو الوطنُ هو الأرضُ هو الحريةُ هو كـلُّ الأشياء المختلفة التي نشعر بها .


ولو عـُـدْنا إلى عنوان المجموعة " وطني على ظهري" فالمعنى الدلالي هنا يتوزعُ ويتفرعُ إلى عدة اتجاهات ، فربما قارئٌ قد هـُدم بيتـُه وصودرتْ أرضُهُ على سبيل المثال ، سيندبُ حَظـَّهُ قائلا : سيظل وطني على ظهري يلازمني ولن أتخلى عنه وسأفخرُ بـه رغم كلِّ الصعاب والمحن !


ويأتي قارئ آخر ، يعيشُ في الشتات أو في بلاد الغربة ، بإرادته أو بعدمها يقول : وطني على ظهري يحرقني الحنينُ إليه وهو مثلُ ظلي يصاحبني ، فكيف أستطيع أن أعيشَ مقطوعَ الظل ، وطني زوادةُ روحي وعمري في غربتي ، وطني الشمعةُ التي تقطر ضُوءا على حروف حياتي المظلمة !


ويعتبر قارئ آخر أن وطني على ظهري ما هو إلا عبءٌ ثقيلٌ وحملٌ سيزيفيٌ لا أستطيع المراهنةَ على استمرارية سعادتي وحياتي الطبيعية فيه ولكن ماذا أفعل ؟ هذا قدري وهذا وطني ويجب أن أَغـْمِــدَ روحي بأزاهير التحدي والصمود !

في مجموعة وطني على ظهري أربعُ قصائدَ مهمـةٌ ورئيسيةٌ جدا ، القصائدُ هي : (وطني على ظهري ) الإهداء إلى الشاعر سميح القاسم


( المتفائم )الإهداء إلى الروائي إميل حبيبي


(سَـقـَطَ القناع) الإهداء إلى الشاعر محمود درويش




(لوحة )الإهداء إلى الرسام الفلسطيني ناجي العلي .


وقد لاحظتُ أن هناك فكرةً رمزيةً تكمنُ وراء اختيار الشاعر لهذه القصائد متوجـا إياها بالإهداء المباشر والصريح ، فهي تعكسُ بصدق لا غبار عليه واقع الفلسطيني المنقسم والمتشرذم :

(لـِفـِلسْ أنادي الطينَ لما قـُسمتْ ) مقطعٌ من قصيدة الشاعر (ناح الزمان) وهي تأكيد حقيقي يـُظْهـِرُ جليا هذا الانقسام حتى في الكتابة المقسـِّمة لكلمة فلسطين " لفلس طين "، من هنا فأن الشاعر سميح القاسم والروائي إميل حبيبي هما رمز واحد بصيغة المثنى أو الجمع للفلسطيني الذي بقي في وطنه يصارع ويناضل من أجل حياة تستحق الحياة .


وهذا الشـقُّ الأول من معادلة التقسيم ، وبالمقابل فالـشقُّ الثاني في هذه المعادلة القاسية أن الشاعر محمود درويش والرسام ناجي العلي هما أيضا رمز آخر بكل الصيغ، للفلسطيني الذي عاش ومات في الغربة متقدا باللوعة والحنين إلى وطنه ، فهذه القصائد الأربعُ مجتمعةً في التعبير والتقسيم والرمز تؤطرُ بقيةَ القصائد في هذه الروضة الشعرية وتشكل امتدادا عضويا وفروعا يانعــة تـُرسلُ جذورَها في تربة الحياة باحثة عن الكنوز التي تضمنُ خلودَ وخصوبةَ كلِّ قصائدِ المجموعة ، كل أزاهير هذه الروضة الشعرية .

قصائدُ المجموعة الستون ، تتنفسُ هواءَ الشعر الكلاسيكي المُشــّبع بالحداثة وبالصور الشعرية المبتكرة ويتمثل ذلك، إما في استحضار الصور الشعرية الحديثة المبتكرة والتي تنساب في شرايين القصيدة الكلاسيكية وخير مثال على ذلك :

وطني الجريح تئن فيه جوارحي

تستحلف التاريخ الا يستحي

صلبوا الجراح على الصدور كأننا

نسقي الجراحَ من الجراح لتمحي

 وإما في استخدام الشاعر لأغلبية بحور الشعر: الطويل والبسيط والكامل والرجز والخبب والمتقارب والرمل وهذا اعتراف أن الشاعر لا يحب قصيدة النثر وتصريح بأن الشعرَ الموزون قادرٌ على توظيف اللغة في ابتكار ورسم الصور والتعابير الشعرية الحديثة والعصرية ، وهذا في مجمله قد يساعد في الحفاظ على نضارة اللغة وتعزيز استعمالاتها بالشكل الصحيح .
أخيرا ،
نبارك للشاعر الصديق أبي يوسف هذه المجموعةَ الشعريةَ القيمـة، ونتمنى له المزيدَ من الإبداع والعطاء فهو جدير وقادر على ذلك وشكرا .

( ألقيت في حفل توقيع المجموعة الشعرية الذي أقامه المركز الجماهيري في دالية الكرمل  تاريخ  2011-9-6 وفي جامعة الكرمل بتاريخ 10-11-2011)



ليست هناك تعليقات: