إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 22 مايو 2013

ظلال للسقطات (2)


ظلال للسقطات (2)
 
                                       نصائح أبي

(1)

ليكن ما يكون ! وماذا سيكونُ غير الذي كان، وكيف يكون ؟ ، لا جديد  في  محاورة الزيتون والتين والعنب ، تعبتُ وسئمتُ من محاورة الأحياء فكيف محاورة الأموات ؟ وكيف محاورة الأشجار ؟ سأزيلُ عن أصابعي بقعَ الدماء ونصائح جدي ، يا إلهي كيف سقطتُ في هذا الشرك اللامتناهي ؟ ماذا سأقولُ لأبي ؟ ماذا سيقولُ لي أبي ؟ أبي يا أبي عندما ستمرُّ في منامي في هذه الليلة السوداء ، كعادتك المباركة في كل ليلة ، انتظرْني  أتوسّلُ إليك أن تنتظرني ، لا أريدُ أن أزعجـَك أو أن أغضبـَك في موتك ، أنا لم أقطعْ شجرة الزيتون ولم أبنِ بيتاً مكانها ولم أقطعْ الشعرة التي امتدتْ بيني وبين الناس ، وصيتُك المحفورة في قلبي ، أنت ملاذي وعزيمتي ، والسراجُ السماويُّ سراجُ الحكمة الذي تتقمّصُ حياتي نورَه المشع ، انتظرني يا أبي لا سبيلَ لي في الصعود من سقوطي المزمن !

(2)

يتّخذُ أبي خصالَ العاصفة ، في هدوئها ينسابُ كلامُه سلسبيلاً ، يلامسُ جدرانَ حياتنا  ويمسحُ ما تكدّسَ فوقها من غـمٍّ وهـمٍّ ، ويحضرُ لنا الكثيرَ من الهدايا المتنوعة والاطعمة المشتهاة والملابس الأنيقة . وعندما يثورُ يتجاوزُ هبوبَ العاصفة ، فنهربُ منه ونتمنى أن يمرّ هذا اليوم العاصف بسلام وأمان ، والمشكلة إن أبي كان في رحلة صراع دائم ، في توفير وتأمين متطلبات افراد عائلتنا الكبيرة العدد ، ومتجرُهُ المتواضع لم يُعْطِـه الأمان والهدوء في ذلك .

(3)

 كان أبي متواضعاً وجريئاً والأهم صادقاً ، يكرهُ الكذبَ والتذبذبَ والاستجداءَ مثلي ، ذو حنكـة وحكمة وسياسة في معاملته مع أهالي قريتنا ، ويوم اختبرتـْهُ الأيامُ في مشكلة أبن عمي ، خرجَ منتصراً كعادته ، واستغربَ الاقاربُ كيف استطاعَ ابن عمي ان ينجو من السجن المؤكد ، والجرم المشهود : رسم الصليب المعقوف على احدى ستائر البلاستيك في الباص الذي استقلّهُ في مدينة حيفا ، وعندما رأى السائقُ فعلتَه في المرآة توقّفَ فجأة واستدعى الشرطة التي اقتادتـْهُ الى التوقيف للتحقيق في الأمر ، وفي المحكمة في مدينة حيفا ، طلبَ أبي حقَّ الحديث ، وشرحَ للقاضي ان هذا الشاب صغير السن ، غير ناضج فكرياً ، لا يعرفُ شيئا عن هذه الشارة الموبوءة ، علم الدولة النازية ، تلاها بشرحٍ موسّعٍ عن النازية وجرائمها البشعة ضد الإنسانية وعن هتلر الذي لن يغفرَ له التاريخُ عن اعماله الفاشية ، ليس هناك أي سبب أن يفعلَ الشابُ ما فعله ، وتعهّدَ أن يهتمَّ بأمر أبن اخيه وان يُلقي عليه مهمـةَ شرح مفصل عن الأعمال الفاشية التي قامتْ بها النازية ضد الشعب اليهودي ، كاعتذارٍ وتكفيرٍ عن فعلته .

(4)

لا أسمعـُكَ يا أبي بوضوح : الاحتمالُ ان هذا الشخص لا ينظرُ إلي ؟!  ربما كان ينظرُ في الفراغ المشيد في المقهى ؟! ربما كان ثمـلاً ؟! لماذا لا أذهبُ غداً الى هناك ، أجلسُ في المقهى وأنتظرهُ ؟! هذا ما تنصحني به يا أبي ؟! وحين يحضرُ اقتربُ منه  ، ادعـوهُ لشرب القهوة أو الشاي ، وأفاتحَـهُ بالأمر ، أسألُهُ عن كلّ شيء ، لماذا يطلقُ علي كلَّ هذه النظرات الشرسة ؟! أدَعُ الحوارَ بيني وبينه حواراً مسؤولاً وواضحاً بدون تعقيدات وترميز ، أعبّرُ فيه عما يؤلمُني ويشغلُ بالي ؟!

أني قلـقٌ ومتوترٌ يا أبي ، أين أنت ؟ أين أنت ؟

ليست هناك تعليقات: